لماذا “المدى”؟
فلأن كل الدراسات والمؤشرات تؤكد أن عالم الانترنت شكل وسيشكل اتساعاً لا حدود له، في تغيير الصيغة الاعلامية وتحوير الفكر الانساني، وهذا ما رأينا بشائره الآن، مما يؤكد الحاجة الى عمل اعلامي مميز.
اذاً، هي مشروع مستقبلي، يأخذ باعتباره سرعة التواصل والاتصال، ويفترض أنه سيستمر اقتصادياً على المدى الطويل.
أما: ما انت؟ ولماذا أنت؟ وكيف أنت…؟
فلأن الوضع الحاضر يقول أن غالبية أهل المهنة ما زالوا بعيدين عن الاهتمام بالانترنت، اما جهلاً أو تجاهلاً وكسلاً وتكاسلاً، في الوقت الذي تطوع كثيرون، ولهم الشكر، على سد هذه الفجوة، وسارعوا الى مشاريع عديدة، مما يعجل الحاجة الى دمج هذه الحماسة المنقطعة النظير، والمقدرة سلفاً، بما يسمى بالتوابل المهنية حتى يكون المردود قادراً ومعطاءً ومميزاً.
وبديهي انني لا أعتقد ان “المدى” سوف تجترح المعجزات، لكنها بهذه الوصفة التي أتطلع اليها، قد تعطي زخماً ودفقاً ومزيداً من سكب التجارب بعضها على بعض، واذا تجاهل الكثيرون من زملاء المهنة، هذا النوع من العمل، فهو في النهاية، فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين.
على أن هذا البعض الذي يقوم بما يقوم به من جهد في “المدى” سيكون هدفه في الأساس ملء فراغ ما في ساحة صحافة الانترنت، آملا ان ينظر الاخرون بمسحة من الاعتزاز الى ما يمكن أن يقدمه.
اذا،ً “المدى” مشروع لم يُنشأ بقرار رسمي، ولن يغلق بقرار رسمي.. بل هو مشروع مستقل الارادة والقرار، واستمراره رهن باستمرارية هذه الاستقلالية، التي هي بالضرورة رهن بالاستقلالية المالية، والنجاح الاقتصادي، اذ لا يكفي لاي مشروع صحافي ان يحقق السبق تلو السبق، والخبطة تلو الخبطة، بل يجب ان يضمن ايضا الاعلان تلو الاعلان، ومن دون النجاح التجاري لا يستطيع اي نجاح صحافي ان يستمر، ولذا لن أكون نادماً لو توقفت “المدى” لاسباب اقتصادية.. لكنني سأكون نادماً لو خرج هذا المشروع عن الاطار المهني والاخلاقي الذي يجب أن يتمترس فيه.
وهذه، في ظني، هي نقطة الصراع الخطرة التي على “المدى” ومحبيها أن يفطنوا لها!
أعود الى نقطة ما أنت؟
أي: ما هي “المدى”؟هي مشروع اعلامي متكامل. تضم فيه الصحيفة بما لها من مداليل واصول وجذوع الى منظومة شقيقاتها الاعلاميات الأخرى. أنها تدمج ذلك الألق الصحافي الذي يجده القارئ في الجريدة، بتلك الانهار الاعلامية التي أصبحت متداخلة بينها وبين نفسها.
لكن، ثمة ملاحظة اساسية هنا، وهي انني لا ادعي ان “المدى” تنطلق اليوم مكتملة بلا اية نواقص، فانطلاقنا اليوم هو “تجريبي” يشبه ما جرى العرف صحافيا على اعتباره “العدد صفر”. بيد ان الأهم هو اننا لا ندعي ان “المدى” ستبلغ الكمال في أي يوم، وذلك لسببين جوهريين:
– اولا، لأنه من الطبيعي ان أي عمل صحافي يطور نفسه يوميا من داخل التجربة…
– وثانيا، لأن الانترنت في مجملها ما تزال عملية غامضة جدا، ليس فقط بالنسبة لأهل المهنة، وانما ايضا لأهل القانون، اذ ليست هناك حتى الآن قوانين انترنتية، اذا جاز التعبير، بل ان الامر يشبه مخاض الثورات، وعلى سبيل المثال كان للثورة الفرنسية تألقها، مثلما كان لها ضحاياها وبشاعاتها… وهكذا الحال في ثورة الانترنت، لها الآن وهجها وتألقها وعلى الاغلب سيكون لها ضحاياها ايضا.
“المدى” أداة اعلامية مستقلة تريد نقل التجربة الحديثة في تقديم الخبر والمعلومة، دون حرج وبلا اية حساسيات، لا نسبية، ولا مفرطة في الارتفاع.
“المدى” لا تنتمي الى تيار، ولا تعبر عن حزب، ولا تقف مع دولة ضد أخرى.
بل هي نافذة العربي الى العالم، وجسر العالم اليه.
اننا في “المدى” نعتقد ان الصحافة شيء والرأي شيء آخر.. فاذا احترمنا الرأي وقدرناه ووضعناه في الاعتبار الذي يستحقه، فان مهنة الصحافي لا قداسة ولا استشهاد ولا مزايدة فيها.. انها، ببساطة، خدمة حضارية لملاح انترنتي يحتاج الى الاشباع.
“المدى” ستكون جريدة الجميع والى الجميع، ومن هنا سيكون لها حضورها عبر شبكة الانترنت:
– سياسيا..
– اقتصاديا..
– ثقافيا..
– فنيا..
– موسيقيا..
– رياضيا..
– اجتماعيا..
– علميا..
– طبيا..
– وكذلك على صعيد الخدمات التي ستكون ” المدى ” سباقة في تقديمها، سواء من حيث المضمون او من حيث التفاعل الحي بينها وبين زوارها ومن هنا، مثلا، حرصنا على توفير نافذة للصحة متكاملة ستقدمها ” المدى ” بالتعاون مع الشركة الاوروبية “ايماك” كي تخدم الملاح العربي، والاجنبي عبر وسائل متعددة من الايضاح.
– ويبقى ان اهتمام ” المدى ” بالمستقبل الانترنتي، وحرصها على مواكبة جديد التقنية وثورة الاتصالات، لن يكون على حساب اهتمامها بمجريات الامس، البعيد منه والقريب، بكل ما فيه من اسرار لم تنكشف الغازها بعد، وحكايات لم يفرج عنها رواتها حتى الآن. ومن هنا، ستفاجىْ ” المدى ” عالم الصحافة العربية بمذكرات تقول ما لم يقل من قبل، وكتب تحكي ما لم يحك حتى الآن، وروايات تثير ما تثير من زوابع الاسئلة والتساؤلات…
هكذا أحلم، وأتمنى ان يكون في هذه الكلمات ما يكفي من الايضاح للاخوة الذين سألوا، أو غضبوا، أو فرحوا، أو الذين خافوا منا .. أو علينا. المهم، دعونا انتم نجرب. اما نحن فندعوكم لأن تحكموا بافكاركم وعقولكم قبل عواطفكم… مثلما ندعوكم لأن تقولوا، او تكتبوا، بصراحة كل ما ترون انه يجب ان يقال، ويكتب، عن هذه التجربة.
برلين: 21 مايو (آيار) 2011